فصل: ذكر ترك الصَّلَاة على الغال من الْغَنَائِم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذكر التَّغْلِيظ فِي الْغلُول:

6439- أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي مَالك عَن ثَوْر بن زيد الديلمي عَن أبي الْغَيْث سَالم مولى ابْن مُطِيع عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَر، فَلم نغنم فضَّة وَلَا ذَهَبا، إِنَّمَا غنمنا الْمَتَاع وَالْأَمْوَال، ثمَّ انصرفنا نَحْو وَادي الْقرى وَمَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد أعطَاهُ إِيَّاه رِفَاعَة بن زيد رجل من ضبيب، فَبَيْنَمَا هُوَ يحط رَحل رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَتَاهُ سهم عَابِر فَأَصَابَهُ فَمَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّاس: هَنِيئًا لَهُ الْجنَّة، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الشملة الَّتِي غلها يَوْم خَيْبَر، وَمن الْمَغَانِم لم تصبها المقاسم تشتعل عَلَيْهِ نَارا». فجَاء رجل إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاك أَو شراكين، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاك أَو شراكان من نَار».
6440- حَدثنَا حَاتِم بن يُونُس الجرجانى قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار قَالَ: حَدثنِي أَبُو زميل قَالَ: حَدثنِي ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب قَالَ: قتل نفر يَوْم خَيْبَر فَقَالُوا: قتل فلَان شَهِيدا، قتل فلَان شَهِيدا حَتَّى ذكرُوا رجلا فَقَالُوا: قتل فلَان شَهِيدا، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلا إِنِّي رَأَيْته فِي النَّار فِي عبأة غلها، أَو بردة غلها».
قَالَ أَبُو بكر: فِي خبر أبي هُرَيْرَة دَلِيل على أَن الْقَتْل فِي سَبِيل الله لَا يكفر ذنُوب الغال، لِأَن ذَلِك من مظالم الْعباد وديونهم، إِذا أَخذ ذَلِك آخذ من أَمْوَال النَّاس، وَذَلِكَ من قَول رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا الدَّين كَذَلِك أَخْبرنِي جِبْرِيل».

.ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الغال يَأْتِي بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة:

قَالَ الله عز وَجل: {ومَن يَغلُل يَأتَ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامة} الْآيَة.
6441- حَدثنَا عَليّ بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي عَن سُفْيَان عَن أبي حَيَّان عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ألفيَنَّ أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على رقبته صَامت يَقُول: يَا رَسُول اللهِ أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك، لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على رقبته فرس لَهَا حَمْحَمَة فَيَقُول: يَا رَسُول اللهِ؟ أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك، لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على رقبته نفس لَهَا صياح، فَيَقُول: يَا رَسُول اللهِ؟ أَغِثْنِي، فَأَقُول: لَا أملك لَك شَيْئا قد أبلغتك، ثمَّ ذكر الْبَعِير، وَالْبَقر، وَالشَّاة مثل ذَلِك».

.ذكر ترك الصَّلَاة على الغال من الْغَنَائِم:

6442- أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن هَب قَالَ: أَخْبرنِي مَالك وَاللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حَيَّان عَن أبي عمْرَة عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنه قَالَ: توفّي رجل يَوْم خَيْبَر، وَأَنَّهُمْ ذكرُوا لرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صلوا على صَاحبكُم». فتغيرت وُجُوه النَّاس لذَلِك، فَزعم أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِن صَاحبكُم قد غل فِي سَبِيل الله» ففتحنا مَتَاعه فَوَجَدنَا خَرَزَات من خرز يهود مَا تَسَاوِي دِرْهَمَيْنِ.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ بعض أهل الْعلم فِي قَوْله للغال: «صلوا على صَاحبكُم» دَلِيل على أَن الْكفْر لَا يلْحق الْمُؤمن بارتكابه بعض الْكَبَائِر، لِأَنَّهُ لَا يَأْمر بِالصَّلَاةِ على غير مُؤمن.

.ذكر مَا يُعَاقب بِهِ الغال من تحريق رَحْله:

6443- حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنَا الْحميدِي عبد الله بن الزبير وَمُحَمّد بن يحيى الجاوي قَالَا: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي قَالَ الْحميدِي: قَالَ: حَدثنَا صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِد قَالَ: كنت مَعَ مسلمة بن عبد الْملك فِي الْغَزْو فَدَعَا سَالم بن عبد الله فَسَأَلَهُ فَقَالَ سَالم: حَدثنِي أبي عَن عمر بن الْخطاب أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «من غل فاضربوا واحرقوا مَتَاعه» قَالَ: فَوجدَ مسلمة فِي رَحْله مُصحفا، فَسَأَلَ سَالم بن عبد الله عَنهُ فَقَالَ: بِعْهُ وَتصدق بِثمنِهِ.

.ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِيمَا يفعل بالغال:

وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل بِمن غل فَقَالَت طَائِفَة: يحرق رَحْله كَذَلِك قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَمَكْحُول، وَسَعِيد بن عبد الْملك، والوليد بن هِشَام، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِلَّا أَن يكون حَيَوَانا أَو مُصحفا.
وَقَالَ الأوزاعى: يحرق مَتَاعه، وَقَالَ أَحْمد، وَإِسْحَاق كَقَوْل الْحسن وَقَالَ الأوزاعى: لَا يحرق مَا غل، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد وَرفع إِلَى الْمغنم، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: وَيغرم إِن كَانَ اسْتهْلك مَا غلّ.
وَقَالَ الأوزاعى: يحرق مَتَاعه الَّذِي غزا بِهِ، وسرجه، وإكافه.
وَلَا تحرق دَابَّته وَلَا نَفَقَته إِن كَانَت فِي خرجه، وَلَا سلاحه، وَلَا ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ، وَمَا أَلْقَت النَّار من حَدِيد أَو غَيره فصاحبه أَحَق بِأَخْذِهِ، وَإِن رَجَعَ الغال إِلَى أَهله أحرق مَتَاعه الَّذِي غزا بِهِ، وَقَالَ فِي الْغُلَام الَّذِي لم يَحْتَلِم يغل، لَا يحرق مَتَاعه وَيحرم سَهْمه وَيغرم إِن كَانَ اسْتهْلك مَا غلّ، وَالْمَرْأَة يحرق متاعها إِذا غلت، وَالْعَبْد إِذا غلّ رأى الإِمَام فِي عُقُوبَته وَلَا يحرق مَتَاعه، لِأَنَّهُ لسَيِّد، فَإِن اسْتهْلك مَا غلّ فَهُوَ فِي رَقَبَة العَبْد إِن شَاءَ مَوْلَاهُ افتكه وَإِن شَاءَ دَفعه بِجِنَايَتِهِ، وَقَالَ: مِمَّا أرى بَأْسا أَن يحرق مَتَاع الْمعَاهد إِذا غلّ، وَقَالَ فِي الرجل يُوجد مَعَه الْغلُول فَيَقُول: ابتعته قَالَ: لَا يحرق مَتَاعه إِذا دخلت شُبْهَة.
وَقَالَ أَحْمد: لَا تحرق ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ، وَلَا سَرْجه، وَلَا يحرق مَا يلْبسهُ عَلَيْهِ من سلاحه.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا يحرق رَحْله وَلَا يعافي فِي مَاله هَذَا قَول مَالك بن أنس، وَاللَّيْث بن سعد، وَالشَّافِعِيّ، وَكَانَ اللَّيْث بن سعد يرى أَن عَلَيْهِ الْعقُوبَة، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ عَالما بِالنَّهْي، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يعافي رجل فِي مَاله إِنَّمَا يُعَاقب فِي بدنه، جعل الله الْحُدُود على الْأَبدَان، وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَات وَاحْتج الشَّافِعِي بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو.
6444- أخبرنَا حَاتِم بن مَنْصُور أَن الْحميدِي حَدثهمْ قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار، وَابْن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: لما انْصَرف النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عِنْد قسم الْخمس جَاءَهُ رجل يستحله خياطاً ومخيطاً فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ردوا الْخياط والمخيط، فَإِن الْغلُول عَار ونار وشنار يَأْتِي بِهِ صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة».
قَالَ أَبُو بكر: كَانَ مُرَاد الشَّافِعِي من هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُوجب على الرجل شَيْئا وَلم يحرق عَلَيْهِ رَحْله، وَلَو كَانَ ذَلِك وَاجِبا لفعله بِهِ، وَلَو شَاءَ قَائِل أَن يَقُول: يحْتَمل أَن يكون الَّذِي استحله الْخياط والمخيط غير عَالم بِتَحْرِيم ذَلِك، وَإِنَّمَا تجب الْعُقُوبَات على من فعل ذَلِك بعد علمه بِأَن ذَلِك محرم عَلَيْهِ، أَو يكون النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمر بِأَن يحرق رَحل من غلّ بعد عَام حنين، فَلَا يكون ذَلِك خلافًا لما قَالَه من أوجب حرق رَحل الغالّ.
مَعَ أَن الْحجَّة إِنَّمَا تكون فِي قَول من أوجب الشَّيْء، لَا قَول من وقف عَن الْإِيجَاب، وَلَيْسَ فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ذكر حرق الرحل، وَإِذا وجد ذَلِك فِي حَدِيث آخر وَجب اسْتِعْمَاله، لِأَن الَّذِي حفظ أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر بحرق رَحل الغال شَاهد، وَالَّذِي لم يذكر ذَلِك لَيْسَ بِشَاهِد، وَقد احْتج بعض من رأى أَن للْإِمَام أَن يُعَاقب فِي الْأَمْوَال بأَشْيَاء، مِنْهَا حَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة.
6445- حَدثنَا إِسْحَاق عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة بن حيدة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: سَمِعت رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «فِي كل أَرْبَعِينَ من الْإِبِل سَائِمَة ابْنة لبون، فَمن أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلهُ أجرهَا، وَمن كتمها فَأَنا لآخذها وَشطر إبِله عَزِيمَة من عزائم رَبك، لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد».
وَمِنْهَا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو.
6446- أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن الْحَارِث وَهِشَام بن سعد عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا من مزينة أَتَى إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ! كَيفَ ترى فِي حريسة الْجَبَل، قَالَ: «هِيَ وَمثلهَا، والنكال، لَيْسَ فِي شَيْء من الْمَاشِيَة قطع إِلَّا فِيمَا أَواه المراح فَبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ قطع الْيَد، ومالم يبلغ ثمن الْمِجَن فَفِيهِ غَرَامَة مثلَيْهِ وجلدات نكال».
فَقَالَ هَذَا الْقَائِل: فَفِي قَوْله: هِيَ وَمثلهَا، تغريم ضعف مَا أَخذ، من ذَلِك حَدِيث عمر بن الْخطاب الَّذِي:
6447- أخبرناه الرّبيع قَالَ: أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب أَن رَقِيقا لحاطب سرقوا نَاقَة لرجل من مزينة فانتحروها، فَرفع ذَلِك إِلَى عمر بن الْخطاب، فَأمر كثير بن الصَّلْت أَن يقطع أَيْديهم، ثمَّ قَالَ عمر: إِنِّي أَرَاك تحبهم، وَالله لأغرمنك غرماً يشق عَلَيْك ثمَّ قَالَ للمزني: كم ثمن نَاقَتك؟ قَالَ: أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، قَالَ: أعْطه ثَمَان مائَة.
عَن جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ أَنهم جعلُوا دِيَة من قتل فِي الْحرم دِيَة وَثلث تَغْلِيظًا على الْقَاتِل، قَالَت هَذِه الْفرْقَة: فللإمام أَن يُعَاقب أهل الريب والمعاصي بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس، فَإِذا جَازَ أَن يعاقبهم فِي أبدانهم فَكَذَلِك جَائِز أَن يعاقبهم فِي أَمْوَالهم، بل عِنْد كثير من النَّاس الْعقُوبَة فِي المَال أيسر وأسهل من الْعقُوبَة فِي الْبدن.
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي الرجل يحْتَمل الثَّمَرَة من أكمامه فِيهِ الثّمن مَرَّتَانِ وَضرب النكال، وَقَالَ: كل من درأنا عَنهُ الْحَد والقود أضعفنا عَلَيْهِ الْعَزْم لحَدِيث الْمُزنِيّ، وَكَانَ يرى بتغليظ الدِّيَة على من قتل فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَفِي الْحرم، والتغليظ فِيهِ دِيَة وَثلث.

.ذكر تَوْبَة الغال وَمَا يصنع بِمَا غل:

أجمع كل من أحفظ عَنهُ من أهل الْعلم على أَن على الغال يرد مَا غل إِلَى صَاحب الْمقسم إِذا وجد السَّبِيل إِلَيْهِ، وَلم يفْتَرق النَّاس.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل بِهِ إِذا افترق النَّاس وَلم يصل إِلَيْهِم فَقَالَت طَائِفَة: يدْفع إِلَى الإِمَام خمسه وَيتَصَدَّق بِالْبَاقِي.
6448- حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الْقَنْطَرِي قَالَ: حَدثنَا مُبشر عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن حَوْشَب عَن عبد الله بن الشَّاعِر السكْسكِي قَالَ: غزا زمن مُعَاوِيَة وَعَلَيْهِم عبد الرَّحْمَن، ابْن خَالِد بن الْوَلِيد فَغَلَّ رجل من الْمُسلمين مائَة دِينَار رُومِية، فَلَمَّا انْصَرف النَّاس قافلين نَدم الرجل فَأتى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد فَقَالَ: إِنِّي غللت مائَة دِينَار فاقبضها مني، قَالَ: قد افترق النَّاس فَلَنْ اقبضها مِنْك حَتَّى يَأْتِي الله بهَا يَوْم الْقِيَامَة، فَدخل على مُعَاوِيَة فَذكر لَهُ أمرهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَة: مثل ذَلِك، فَمر بِعَبْد الله بن الشَّاعِر السكْسكِي وَهُوَ يبكى فَقَالَ: مَا يبكيك؟ قَالَ: كَانَ من أَمْرِي كَذَا كَذَا، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، قَالَ: أمطيعي أَنْت؟ قَالَ: نعم، قَالَ: ارْجع إِلَى مُعَاوِيَة فَقل لَهُ: اقبض مني خمسك، فادفع إِلَيْهِ عشْرين دِينَارا، وَانْظُر إِلَى الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَة، فَتصدق بهَا عَن ذَلِك الْجَيْش، فَإِن الله عز وَجل يقبل التَّوْبَة، وَالله أعلم بِأَسْمَائِهِمْ ومكانهم فَفعل ذَلِك الرجل، فبلغت مُعَاوِيَة فَقَالَ: أحسن لِأَن أكون أفتيته بهَا أحب إِلَى من كل شَيْء أملك.
قَالَ أَبُو بكر: وَمِمَّنْ قَالَ يتَصَدَّق بِهِ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَالزهْرِيّ، وَمَالك، وَالْأَوْزَاعِيّ، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَقَالَ اللَّيْث بن سعد: يدْفع خمس مَا غل فِي بَيت مَال الْمُسلمين وَيتَصَدَّق بِمَا بَقِي عَن جَمِيع من كَانَ مَعَه، وَقد روينَا عَن ابْن مَسْعُود أَنه رأى أَن يتَصَدَّق بِالْمَالِ الَّذِي لَا يعرف صَاحبه، وروينا مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس.
6449- حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ وَإِسْرَائِيل عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: اشْترى عبد الله بن، مَسْعُود من رجل جَارِيَة بستمائة أَو سَبْعمِائة فنشده أَو نَشد سنة، ثمَّ خرج بهَا إِلَى السدّة، فَتصدق بهَا من دِرْهَم ودرهمين عَن رَبهَا، فَإِن جَاءَ خيِّره فَإِن اخْتَار الْأجر كَانَ لَهُ الْأجر، وَإِن اخْتَار مَاله كَانَ مَاله، ثمَّ قَالَ ابْن مَسْعُود: هَكَذَا فافعلوا باللقطة.
6450- حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا سعيد حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ: أَخْبرنِي أَبى أَنه ابْتَاعَ من رجل ثوبا بِمَكَّة فقبضت مِنْهُ الثَّوْب فَانْطَلَقت بِهِ لأنقده الثّمن، فضل مني فِي زحام النَّاس فطلبته فَلم أَجِدهُ، فَأتيت ابْن عَبَّاس فَذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ: إِذا كَانَ من الْعَام الْمقبل فانشد الرجل فِي الْمَكَان الَّذِي اشْتَرَيْته، فَإِن قدرت عَلَيْهِ وَإِلَّا فَتصدق بهَا، فَإِن جَاءَ بعد فخيِّره فَإِن شَاءَ كَانَت لَهُ الصَّدَقَة وَإِن شَاءَ أَعْطيته الدَّرَاهِم وَكَانَت لَك صَدَقَة.
وَقد روينَا مثل هَذَا عَن شُرَيْح، وَالنَّخَعِيّ، وَغَيرهمَا، وَقَالَ أَحْمد: فِي الْحبَّة والقيراط يبْقى على الرجل للبقال وَلَا يعرف مَوْضِعه؟ قَالَ: يتَصَدَّق بِهِ.
قَالَ أَبُو بكر: وَقَالَ بعض أهل الْعلم فِي مثل هَذَا: يوقفه أبدا حَتَّى يَأْتِي رب الشَّيْء أَو من ورث الشَّيْء عَنهُ، لَا يجوز أَن يتَصَدَّق بِهِ لاحْتِمَال أَن يَأْتِي صَاحبه يَوْمًا مَا، وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: فِيمَن فضل فِي يَده من الطَّعَام شَيْء قل أَو كثر، فَخرج من دَار الْعَدو، لم يكن لَهُ أَن يَبِيعهُ، وَعَلِيهِ أَن يردهُ إِلَى الإِمَام فَيكون فِي الْمغنم، فَإِن لم يفعل حَتَّى يفْتَرق الْجَيْش فَلَا يُخرجهُ مِنْهُ أَن، يتَصَدَّق بِهِ وَلَا بأضعافه كَمَا لَا يُخرجهُ من حق وَاحِد وَلَا جمَاعَة إِلَّا تأديته إِلَيْهِم، فَإِن قَالَ: لَا أجدهم فَهُوَ يجد الإِمَام الْأَعْظَم الَّذِي عَلَيْهِ تفريقه فيهم، وَلَا أعرف لقَوْل من قَالَ: يتَصَدَّق بهَا وَجها، فَإِن كَانَ مَالا لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة، وَإِن كَانَ مَالا لغيره فَلَيْسَ لَهُ الصَّدَقَة بِمَال غَيره.
قَالَ أَبُو بكر: مَا قَالَه أَصْحَاب رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعوام أهل الْعلم أولى.